نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 27 أغسطس 2020 حول فلسطين والعالم العربي. وقد بحثت الندوة في وضع العلاقات الراهن وما يعنيه ذلك لحركة التحرير الفلسطينية اليوم وفي المستقبل. وشارك في الندوة، التي أدارها الزميل الزائر في مركز بروكنجز الدوحة عمر حسن عبد الرحمن ، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم نور عودة، محلّلة سياسية ومستشارة في الدبلوماسية العامة؛ وشبلي تلحمي، زميل أوّل غير مقيم في المشروع حول العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي ومركز سياسات الشرق الأوسط وبرنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز؛ ومعين ربّاني، أحد محرّري مجلّة الجدلية؛ وخليل جهشان، المدير التنفيذي في المركز العربي في واشنطن العاصمة.
بدأ شبلي تلحمي النقاش عبر التطرّق إلى التحوّلات الإقليمية وعمليّات إعادة الاصطفاف الجيوسياسية التي أثّرت في التزام العالم العربي بالقضيّة الفلسطينية. ولفت إلى أنّ بروز القضية أتى استراتيجياً من الافتراض بأنّها مهمّة للحكومات والشعوب العربية الأخرى. لكن إن تضاءل هذا البروز تتراجع أهمّية فلسطين بالنسبة إلى الدول الأخرى. بهذه الطريقة، شكّل العالم العربي حجر الزاوية للقضية الفلسطينية حول العالم، فيما أدّت حقوق الإنسان والقانون الدولي والأسباب المعيارية دوراً أصغر. بالتالي، ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تقرّ بهذا النفوذ وأن تسعى بنشاط أكبر إلى إنشاء التحالفات في العالم العربي. وقال تلحمي أيضاً إنّ التطوّرات الأخيرة في العلاقات ليست بأمر جديد. فالأهمّية الاستراتيجية للمسألة الفلسطينية في العالم العربي في تقهقر منذ توقيع اتفاقيات كامب دايفيد. لكن على مدى السنوات القليلة الأخيرة، شهد الرأي العام تحوّلاً أيضاً، ولم تعد القضيّة الفلسطينية أولوية للشعوب العربية منذ انتفاضات الربيع العربي ونشأة الصراعات في سوريا واليمن وليبيا. علاوة على ذلك، تصعّب الانقسامات العميقة داخل فلسطين معرفة الطريقة التي يمكن من خلالها دعمها.
وتابعت نور عودة النقاش عبر الإشارة إلى أنّ معظم الجماهير العربية شبابٌ ومحرومون من الحقوق وغير مؤمنين بالمؤسّسات، مما يجعل الوصول إليهم عبر استطلاعات الرأي التقليدية غير ممكن. ولم يتمّ أخذ هذا البُعد بعين الاعتبار بما فيه الكفاية في التحليل السياسي التقليدي، ممّا يطرح السؤال حول صلاحية أدوات استطلاع الرأي التقليدية. وفي خطّ موازٍ، في معظم الدول العربية، المجتمعات المدنية والأحزاب السياسية والجهات الفاعلة رمزيةٌ ولا تتحلّى بنفوذ كبير على عملية صناعة القرارات لدى القادة. بالتالي، تصبح معرفة الرأي العام الحقيقي وتأثيراته صعبةً ومعقّدة، لكنّها تبقى مهمّة وحاسمة عند الرغبة في تخطّي التقييم السياسي التقليدي. وأضافت عودة أنّ الفلسطينيين الأكثر شباباً والعرب، بالإجمال، محرومون من الحقوق لدرجة أنّهم لا يريدون أيّ نوع من التحاور مع المؤسّسات ويفضّلون التحاور في ما بينهم. وهم متّحدون عموماً حول سلسلة مشتركة من الأفكار والمبادئ والتطلّعات، بغضّ النظر عن الحكومات والأنظمة السياسية العربية. وختمت عودة بأنّه مع مرور الزمن ستشكّل هذه الوحدة بين الشباب العربي قوّة تغييرية.
ووصف خليل جهشان الوضع الراهن لفلسطين والعالم العربي بـ”الوهن العربي”، الذي يشبه الوهن الذي عانته الجهات المانحة بعد اتّفاقات أوسلو في التسعينيات. وعزا جهشان هذا الوهن إلى طبيعة هذا الصراع الطويل الذي دام أكثر من 72 عاماً. علاوة على ذلك، قال إنّه عندما بدأ الفلسطينيون بالتركيز على استقلالية صناعة القرار الفلسطينية، بدوا وكأنّهم يرفضون انخراط الشعوب والحكومات العربية. وفي ما يخصّ الآراء العامة، أشار جهشان إلى أنّ المسح الأحدث الذي أجراه مؤشّر الرأي العربي للعام 2017-2018 يشير إلى بروز دعم إجمالي للقضيّة الفلسطينية لدى العرب. فبالإجمال، يعتقد 77 في المئة من المُستطلَعين أنّ فلسطين ملكٌ للفلسطينيين وعارض 87 في المئة التطبيع بغياب السلام مع إسرائيل. وعند النظر إلى الإجابات بحسب الدول، اعتقد 64 في المئة فقط من الفلسطينيين أنّ فلسطين ملك لهم، وهذه النسبة الأدنى بين الدول الخاضعة للمسح، ممّا يضيف عقدة أخرى إلى الوضع.
وأضاف معين رباني أنّه في فترة أواسط السبعينيات لم يكن العرب يدعمون الفلسطينيين فحسب، بل اعتبروا الصراع صراعاً عربياً إسرائيلياً، ممّا فسّر السبب الذي جعل الجهات الدولية تتنبّه للموقف العربي في المسألة. ثمّ أشار إلى أنّه على مدى العقود الأخيرة، تغيّر الموقف جزئياً بسبب نشأة القومية المحلّية في معظم الدول العربية. علاوة على ذلك، اعتبر رباني اتفاقيات كامب دايفيد نقطة تحوّل بارزة في العلاقة بين الفلسطينيين والعالم العربي لأنّها سحبت من التداول الخيار العسكري العربي والمبادرة الدبلوماسية الفلسطينية. ومن دون الضغط الذي تولّده المواجهة المصرية الإسرائيلية المحتملة، فقَدَ الفلسطينيون العنصر الأساسي في نفوذهم الدبلوماسي. وأضاف رباني أنّه على مرّ العقود، نشأت صلات عربية إسرائيلية سرّية، من بينها تلك التي برزت مع المغرب في الستينيات ومع عمان بعد السبعينيات. بيد أنّ مؤتمر مدريد ومعاهدة أوسلو كانا نقطة تحوّل بارزة أخرى جعلت الفلسطينيين الأصحابَ الوحيدين لقضيّتهم بعدما كانوا المناصرين الأبرز لها. وختم رباني قائلاً إنه على عكس المواجهة الفلسطينية المباشرة مع النظام الملكي الأردني أو في خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أصبح الفلسطينيون على مدى العقدَين الماضيين جزءاً من التحالفات الإقليمية التي لم يكونوا منخرطين فيها بشكل مباشر.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على دور المنافسة العربية حول القضيّة الفلسطينية وناقشت نقاط الضعف لدى القيادة الفلسطينية والانقسامات الداخلية. فقال تلحمي إنّ الصراع بعد العام 1967 أصبح سياسياً بالإجمال وتحوّلت فلسطين إلى أداة للقوى العربية لفرض سيطرتها. ومع تراجع المنافسة بين الدول، بات لمجموعة الدول العربية القوية الموقف ذاته من المسألة. وأضاف رباني أنّه في السابق تنافست الدول العربية حول دعم القضية الفلسطينية، لكن مؤخراً باتت في منافسة حول إنشاء الصلات الأفضل بالولايات المتّحدة. أخيراً، شدّد تلحمي وجهشان على الاختلال الوظيفي لمنظّمة التحرير الفلسطينية وانفصالها عن الشتات. ووصفت عودة الانقسامات داخل فلسطين بالقَبَلية وسلّطت الضوء على عدم اكتراث الشباب بهذه الفصائل. ختاماً، شدّد المشاركون على ضرورة إحداث تغيير هيكلي داخل فلسطين لاتّخاذ قرار حول أجندتهم الوطنية الخاصة قبل حشد الدعم من العالم العربي.