ملخص
في 21 مايو 2012، استضاف مركز بروكنجز الدوحة مناقشة سياسية مع السيد ديفيد ميلباند عضو البرلمان ووزير الخارجية البريطاني السابق ووضاح خنفر وهو أحد المشاركين في تأسيس منتدى الشرق والمدير العام السابق للجزيرة. ولقد ركزت المناقشة على أدوار وسائل الإعلام القديمة والجديدة في الثورات الأخيرة في أنحاء الشرق الأوسط ومصادر الشرعية التي ظهرت مع مواجهة الزعماء في جميع أنحاء العالم تحديات لسلطتهم. رأس حلقة النقاش التي تلتها جلسة أسئلة وأجوبة سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة وحضرتها شخصيات من الأوساط الأكاديمية والتجارية والدبلوماسية والإعلامية في قطر.
بدأ سلمان شيخ المناقشة بسؤال ديفيد ميلباند عن المصادر الجديدة للشرعية في عالم تواجه الحكومات فيه تحديات متزايدة على الأرض ومن خلال وسائل الإعلام الجديدة. فذكر ميلباند أربعة مصادر للشرعية، مضيفا مصدرا للمصادر التي حددها ماكس فيبر. وكانت هذه المصادر هي: بناء الدولة، والشرعية أو النسبة التاريخية، الولاية الديمقراطية المدعومة بمؤسسات تردع الآخرين وأخير كفاءة الدولة في تقديم الخدمات لمواطنيها. وأقر ميلباند أن رصيد بعض الدول يتباين ارتفاعا وانخفاضا في مصادر الشرعية الأربعة المختلفة. فعلى سبيل المثال، تستفيد أوربا عادة من الدرجة المرتفعة للشرعية الديمقراطية إلا أنها تحصل على درجات آخذة في الانخفاض نظرا لفعاليتها في تقديم الخدمات لمواطنيها. وذكر أن هناك توازنات مختلفة في الشرق الأوسط حيث تضمن الشرعية من خلال بناء الدولة والدولة الدينية وتقديم الخدمات ولكن قلما يكون ذلك من خلال ولاية ديمقراطية. وبالإضافة إلى ذلك، ذكر ميلباند مكون الشرعية الدولية الذي أصبح مهما مؤخرا والذي يتجلى في التأكيد سواء على السيادة الوطنية أو القانون الدولي. وذكر أن عدم التماشي مع الشرعية الدولية القوية في غياب المصادر الأخرى مثل تقديم الخدمات يمكن أن يؤدي إلى فهم الأزمات اليونانية والإيطالية.
واتفق خنفر مع ميلباند حول مصادر الشرعية إلا أنه أشار إلى أن “الشرق الأوسط لم يكن به دول قومية فعلية من قبل”. واستطرد قائلا أن المنطقة تعاني من نقص في الشرعية منذ الحرب العالمية الأولى. ويواجه الشرق الأوسط الآن أزمة في الشرعية لأن حدود الدول لم تحدد بناء على المصلحة الوطنية أو الشرعية التاريخية أو الحدود القبلية وإنما حددتها قوى خارجية. ونرى الآن أول مناقشة حرة في الشرق الأوسط عن مفهوم الشرعية وإن تعريفات هذه الدول قيد النظر. وقال خنفر إن أسئلة رئيسية سوف تطرح عما إذا كان بإمكان المنطقة أن تظل مكونة من 22 دولة قومية مستقلة أم لا.
وقال خنفر إن الإسلام سوف يشكل حتما جزء مهما من المناقشة الخاصة بتكوين الدولة وتحديد شرعيتها. وقال إن الإسلام في الشرق الأوسط لا ينظر إليه على أنه مجرد دين ولكن على أنه “منهج حياة”. ويعني الاشتباه العميق في مفهوم الديمقراطية في المنطقة – والذي غالبا ما يكون نتيجة الأنظمة المتسلطة التي تستخدمه لحشد الدعم والتأييد لحكمها – أنه ستدعو الحاجة إلى إعادة تفسيره وفقا للتصور الإسلامي. وينبغي إعادة تعريف أفكار الديمقراطية والقيادة في الإسلام في السياق الجديد لإضفاء الشرعية الدستورية على الحكومات. وبشكل عام، لابد من فصل الدين عن الدولة من وجهة خنفر. وأوضح أن التحديث “جعل الإسلام لعبة في أيدي السياسيين”. وقال أنه لذلك السبب لابد أن يحرر الدين من سيطرة الدولة، وينبغي أن يعهد بالدين إلى المجتمع وليس الدولة.
وردا على سؤال من ميلباند عما إذا أزيل العائق أمام إقامة حكم شرعي في أعقاب الثورات الأخيرة، قال خنفر أن التوقعات بالنسبة للزعماء قد زادت طيلة السنوات القليلة الماضية. وقال أن شبكات التواصل الاجتماعي قد أفرزت جيلا من الشباب “له تصور جديد للسياسة” وسمحت لهم بإقامة “منطقة ديمقراطية افتراضية”. وقال خنفر إن شبكات التواصل الاجتماعي تتسم بحكم طبيعتها بالديمقراطية حيث أن الجميع ينضمون إليها على قدم المساواة. وفي هذه الساحة التي ستصبح جزء لا يتجزأ من وسائل الإعلام السائدة في السنوات القادمة، يمكن توحيد الناس من خلال الأفكار وليس الطبقة الاجتماعية أو القبلية. وقال أن ذلك كان عاملا حاسما في تحريك الثورات في العالم العربي. ومع ذلك، فإنه حذر من عدم الحفاظ على روح الثورة في الدول التي تمر بفترة انتقالية حيث أن الانتخابات قد أتت بسياسيين تقليديين إلى السلطة. وأعرب عن الحاجة إلى “حقن النظام السياسي بروح التحرير” حتى لا يلجأ إلى التحزب الذي قد يؤدي إلى سياسات طائفية أو قبلية أكثر تقليدية. وأشار ميلباند إلى أن الناس قد ازدادت قدرتهم ليس فقط على التعبير عن أفكارهم ولكن على مقارنة التصريحات الرسمية والأفعال الخاصة. وتجعل قدرة المواطنين المتزايدة على كشف النفاق الحكومي – وهو أحد أكبر مصادر انعدام الشرعية – منهم مواطنين أفضل تأهيلا لتحدي زعمائهم.
ثم طرح شيخ سؤالا عما إذا كان يمكن أن تصبح وسائل الإعلام أكثر تطفلا أو ما إذا كانت تعيق الحوكمة الفعالة أم لا. فأجاب ميلباند قائلا أن وسائل الإعلام “أداة خطيرة للغاية”. فمع إتاحة كميات متزايدة من المعلومات لمزيد من الناس، لن يستطيع الحكام المستبدون إيقاف ذلك التدفق وسيتم إزالة العائق الذي يعيق إقامة الشرعية. وأضاف خنفر أن وسائل الإعلام تسمح للناس في الشرق الأوسط بأن يصبحوا أكثر دراية مما كانوا عليه في العقود السابقة مما يمكنهم من الحكم على تصرفات السياسيين. وقال إن “حكمة الجماهير” يمكن الوثوق بها. وقال إن الناس في المنطقة قد استعادوا كرامتهم ويشعرون الآن بالقدرة على المشاركة في السياسة ويفخرون بذلك.
وأشار ميلباند بنبرة تحذيرية إلى أن “الحكومة بالشعب” على نفس القدر من أهمية “الحكومة من أجل الشعب” محذرا من أن حكم الغوغاء لا يزال خطرا. وأوضح أن “الدرس المستفاد من التاريخ هو أن جميع السلطات لابد أن تراجعها مؤسسات مستقلة”. وقارن أيضا وصف خنفر لشعوب الشرق الأوسط الفخورة بالتصويت بمواطني الأنظمة الديمقراطية الغربية الرتيبة. وقال “إن تناقض الديمقراطية يتمثل في أنها حيثما وجدت فإنها تكون سيئة السمعة”.
ثم سأل شيخ ميلباند عما استفاده حتى الآن من الصحوات العربية. فذكر ميلباند أربعة دروس مستفادة: أهمية الإيمان بقدرة الناس على إثبات وجودهم واختلاف أجيال المشاركين في الثورات واستعداد الأحزاب عندما تكون في السلطة للمساومة وميل عملية بناء الأمة إلى شغل الدول بشؤونها الداخلية. وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، حذر من أن هذا التركيز الداخلي خطير جدا، مذكرا بأن القضية الفلسطينية لا تولى اهتماما كافيا في المناخ الحالي. وقال إن دول المنطقة تحتاج إلى العمل سويا ولذلك ينبغي أن تقيم علاقات بين بعضها البعض.
وردا على سؤال عما إذا كان الشرق الأوسط يمكنه الاستفادة من الديمقراطيات الغربية، أجاب خنفر بأن الديمقراطيات الناضجة قد وضعت قيما ومصالح مشتركة يفتقر إليها الشرق الأوسط. وقال إنه للمرة الأولى يعطى الشرق الأوسط فرصة تحديد مصالح الدولة. وردا على تعليقات ميلباند، ذكر خنفر أن أولويات المنطقة يفهمها العامة جيدا. وقال إن فلسطين في هذا الوقت تعتبر قضية ملحة على نفس القدر من إلحاح المشاكل الداخلية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، ستظل المناقشة الخاصة بفلسطين كما هي الآن “جزء لا يتجزأ من الرأي العام”. وفي النهاية، أوضح خنفر أن دول الشرق الأوسط تحتاج إلى ترتيب شأنها الداخلي قبل التعامل مع القضية الفلسطينية.
وعقب المناقشة، غطت جلسة الأسئلة والأجوبة مجموعة من القضايا بما في ذلك دور الشباب في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي ودور الأحزاب الإسلامية في الدول العربية. افتتح جيليز كيبيل الجلسة بالسؤال عما إذا كان وضاح خنفر ما زال يعتبر الجزيرة لاعبا رئيسيا في الثورة أم لا مع العلم بأن وسائل الإعلام الوطنية السائدة كانت تلعب دورا أكبر بكثير منذ بداية الثورات. كما سأل أيضا عما إذا كانت الجزيرة تحتاج إلى التكيف مع ظهور قنوات محلية جديدة في المنطقة. فأجاب خنفر بأن الجزيرة في روحها ورسالتها قد نجحت في الانتشار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، موضحا أن هذه الشبكة لم تنظر إلى نفسها مطلقا على أنها تتنافس على الهيمنة. وقال خنفر، في الواقع، سعت الجزيرة دائما إلى سماع صوت الناس وأن الكثير من القنوات الجديدة قد استلهمت رسالتها من رسالة الجزيرة. ولكنه حذر من أن المشهد الإعلامي بالمنطقة لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج ولابد من عمل الكثير للتأكد من الوصول إلى مصادر إخبارية موثوقة لا تشوبها النعرة الحزبية. وتخطط الجزيرة بمرور الوقت للانتقال إلى مرحلة ثانية من التأثير عن طريق إنشاء أقسام تركز على وسائل الإعلام الجديدة.
وطرح سؤال آخر عما إذا كان ديفيد ميلباند يرى أن هناك أية أمثلة حديثة للنفاق في السياسة الخارجية الغربية تجاه العالم العربي. فقال ميلباند إنه بمرور السنوات، دفع استقرار الأنظمة الاستبدادية بالشرق الأوسط الحكومات الغربية إلى “تثبيت” سياساتها الخارجية. ونتيجة لذلك، لم تطرح أسئلة عن الديناميكية الداخلية للاعبين الإقليميين. وقال أنه من المهم أن يؤخذ في الحسبان أن الحكومات لا يمكنها تحقيق كل شيء ترجوه. وذكر ميلباند أنه علاوة على ذلك، في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، رأينا أن المعارضة الداخلية وليست الخارجية هي التي تنجح في النهاية في الإطاحة بالأنظمة باستثناء التجربة الليبية.
وتناول خنفر هذه النقطة أيضا ملقيا بعبء الإصلاح على كاهل الحكومات الوطنية. وقال أنه بالنسبة للأنظمة الملكية مثل الأردن، فلها أن تفترض أنها إما في مأمن من الثورة أو أن تتخذ الخطوات اللازمة لجعل أنظمتها أكثر انفتاحا. ومن وجهة نظره، اتخذت المغرب إجراءات لتلبية مطالب المواطنين مع اعتراف قيادتها بصعوبة تحدي الضغط الشعبي لمزيد من التمثيل. وقال خنفر أن الحكومات تحتاج إلى إجراء إصلاحات، “فلا شيء يمكنه الوقوف في وجه الربيع العربي”.
وكان السؤال التالي عن كيفية حماية الديمقراطيات الجديدة بالشرق الأوسط لحقوق المرأة والأقليات. فأجاب خنفر بأنه لابد من وضع منهجية عضوية للتعامل مع هذه القضايا حيث أن قضايا المرأة والأقليات كانت تبحث لعقود من منظور غربي في المقام الأول. وقال إن وضعية المرأة قد تحسنت “في العامين الماضيين أكثر منها طيلة السنوات العشرين الماضية” وضرب مثالا على ذلك بالمرأة اليمنية التي تقود المظاهرات في مدينة صنعاء المتحفظة. وأشار خنفر إلى “حراك جديد في مجتمعاتنا” مما سيسمح بتغيير أكبر مما شهدته هذه المجتمعات في الماضي. كما أشار خنفر أيضا إلى أن أفكار الأقلية والأغلبية ليست موجودة في قاموس الشرق الأوسط لأن المنطقة عبارة عن “تركيبة من المجموعات المختلفة”. وشدد على أنه مع قيام الدولة الحديثة لدينا الفرصة لدمج الأقليات في الحياة العامة للحد من الانقسامات الطائفية والعرقية وغيرها من الانقسامات الموجودة في أذهان شعوب المنطقة.
كما طرح سؤال آخر عما يعتبره الكثير تغطية غير متكافئة من الجزيرة للثورة في البحرين. فأجاب خنفر بأن أزمة البحرين تزامنت مع ثورات أخرى ولذا لم تحظ بنفس الأولوية التي حظيت بها تغطية الثورات في مصر وتونس. وقال: مع ذلك، أتيح للمعارضة البحرينية وصول مباشر إلى الجزيرة حتى طرد المراسلون من البلاد. وأوضح خنفر أن الشبكة مع ذلك واصلت تغطيتها أحيانا من خلال التقارير السرية. وقال خنفر إنه بالرغم من جهود تغطية الأحداث الجارية، “وجه كلا الطرفين انتقادات إلينا”، حيث شعرت المعارضة بأن البحرين لم تحصل على نفس التغطية التي حصلت عليها الدول الأخرى، بينما رأت الحكومة البحرينية أن الجزيرة أعارت الثورة اهتماما أكبر من اللازم.
أما السؤال الأخير، فقد كان عما إذا كانت وسائل الإعلام الجديدة ستجعل من المستحيل بالنسبة للسياسيين الرد على شكاوى المواطنين أم لا. فرد ميلباند قائلا أن وسائل الإعلام هي إحدى أعراض وليس أسباب شكاوى الناس. وقال أن وسائل الإعلام التي تعمل على مدار 24 ساعة تثقف جمهور الناخبين بمجموعة من القضايا المحلية والعالمية. ومع ذلك، من المهم عدم المبالغة في تقدير قوة وسائل الإعلام. وقال إنه حيثما كان هناك تنافر في الأصوات، لا يكون الخطر هو الهيمنة الإعلامية وإنما التشرذم. وحيث أن الشعوب قد أصبحت أكثر دراية، فإنها ستكون أكثر قدرة على معالجة المعلومات معالجة مستقلة. وقال إن “العقل الناقد هو أساس الديمقراطية.”