ينظّم مؤيّدو حركة “تمرّد” مظاهرات يوم 30 يونيو، ويحتمل أن يكون نزولهم إلى الشارع عرضاً ضخماً للقوة. أهدافهم بسيطة بطريقة مخادعة وهي دفع الرئيس محمد مرسي خارج السلطة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ولكن عندما تسألهم عن خطتهم للقيام بذلك، تلاحظ أنّه ثمة غموض في أجوبتهم. إنّه حق للمصريين بأن يطالبوا مرسي بالاستقالة – وهذا حقّ يجب حمايته – إلا أنه ما من شيء يجبره على الاستجابة لمطالبهم. إذاً، ماذا سيحدث؟
في الحقيقة، لا توجد أي آلية قانونية أو دستورية لإسقاط مرسي الذي تمّ انتخابه منذ عام بنسبة 51.7 بالمئة من الأصوات. عملياً، هناك طريقة واحدة لإسقاطه وهي في العنف الجماعي وانهيار النظام العام كلياً لدرجة تدفع الجيش للتدخل. بعبارة أخرى، لكي تفوز حركة “تمرّد”، على مصر أن تسقط. ويرى البعض في صفوف المعارضة أنّ هذه التكلفة القصيرة المدى – بغض النظر عن حجم الضرر الذي تخلّفه – مبررة لأن البديل، وهو استمرار حكم الأخوان المسلمين، سيغيّر جذرياً طبيعة مصر نفسها.
ألمحت شخصيات معارضة لإمكانية حدوث انقلاب من مختلف الأنواع ضد رئيس غير كفء وغير محبوب – على الرغم من أنه تمّ انتخابه ديمقراطياً. طالب البعض، مثل طارق الخولي، وكيل مؤسسي حزب 6 أبريل، وداليا زيادة الناشطة في مجال حقوق الإنسان، علناً بالتدخل العسكري، في حين قام آخرون، مثل محمد البرادعي وأحمد البرعي، بإصدار طلبات مبطّنة تدعو الجيش ليتدخل. بينما دعا آخرون، بمن فيهم قادة حركة “تمرّد”، القضاء للتدخل و”إلغاء” رئاسة مرسي.
استناداً إلى المادة 174 من قانون العقوبات المصري (الذي بات باعتراف الجميع قديم الطراز)، فإن “التحريض على الإطاحة بنظام الحكم” يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. في الأنظمة الديمقراطية الأكثر ثباتاً، ثمة بنود مماثلة تحظر “الدعوة لإسقاط الحكومة”، تماماً كما أشرت في مجلة “ذي أتلانتيك” في أغسطس الماضي. ولكن، كما سيشير الثوريون أنفسهم قبل غيرهم، فإن الثورات غير شرعية من حيث تعريفها. إلا أن أمراً غير قانونياً يمكن أن يكون في الوقت نفسه صحيحاً وشرعياً لاسيما إذا كانت الأمور تسير وفقاً لشرعية ثورية أكثر منه وفقاً لشرعية ديمقراطية.
إن اختيار المسار الثوري في هكذا مرحلة متأخرة من اللعبة – بعد مرور أكثر من عامين على الانتقال وخمسة انتخابات – يعني البدء من نقطة الصفر مع وجود القليل من الضمانات التي تؤكد أن المرة الثانية ستكون أفضل بكثير. في وقتٍ ما، لا يمكن التراجع عن الماضي، ربما باستثناء الحالات التي يقوم فيها التراجع هذا على عنف جماعي على نطاق لم يسبق له مثيل. في حال تم إسقاط أول رئيس إسلامي منتخب، فما الذي سيمنع آخرين في المستقبل من محاولة إسقاط رئيس ليبرالي؟ وإذا نظرنا إلى المبررات التي تدفع حركة “تمرّد” إلى السعي إلى الإطاحة بالرئيس مرسي، نلاحظ أنها تتكون من قضايا لا شكّ سيعانيها خليفته أيضاً. في الحقيقة لا علاقة لهذه المشاكل بعملية انتقالية معيبة ودستور وُضِع على عجلة وداس على اعتراضات المعارضة وعلى كلّ ما له صلة بالأداء. وفي هذا الصدد يشير بيان مبادئ حركة “تمرّد”: “فشل مرسي فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف، إذ لم يتمّ إرساء الأمن أو تأمين الضمان الاجتماعي، مما أعطى دليلاً بيّناً على عدم صلاحيته لحكم بلد كمصر”. لا يمكن أن تعتمد الشرعية فقط أو حتى في المقام الأول على الفعالية أو الكفاءة، وإلا وجدت الثورة لنفسها مبررات لتندلع في أي مكان وفي أي وقت، بما في ذلك وعلى الأقل في العديد من الأنظمة الديمقراطية الأوروبية.
إذاً، ثمة قليل من الشكّ أن مرسي يعاني – ربما أكثر من أي شيء آخر – نقصاً في الشرعية، الأمر الذي يقوّض الحكم مما يقلل من شرعيته وهكذا دواليك. يكمن مفتاح الحل إذاً في العثور على طريقة لإعادة المصريين الساخطين إلى العملية السياسية – التي يعتقدون أنه تمّ إبعاِدهم عنها لسببٍ وجيه – مما سيفرض على مرسي والإخوان المسلمين تنازلات كبيرة، بما في ذلك ضمان قانون انتخابي عادل مع مراقبة دولية قوية ومراجعة المواد المثيرة للجدل في الدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تسيَر الأمور إلى أن يحين موعد الانتخابات البرلمانية في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام . لا شكّ في أن بعض أطراف المعارضة يرى استمرار حكم الإخوان على أنه بمثابة نهاية العالم، وبالتالي من غير المرجح أن يرضى بمثل هذه التنازلات. إلا أن الأمل بالاكتفاء بتنازلات كافية يبقى قائماً.
باتت السفيرة الأمريكية آن باترسون في مرمى النيران لحثّها الجماعات المعارضة في مصر على العودة إلى النظام والانتقال من أعمال الشارع إلى أعمال منظمة من شأنها أن تساعد على المشاركة في الانتخابات. غرّد المعارض ورجل الأعمال نجيب ساويرس على صفحته الخاصة على موقع تويتر: “[سعادة السفيرة،] نقطينا بسكوتك “. في الواقع، قد تكون باترسون قد اعتمدت لهجة خاطئة وقد بلغت بها الأمور حدّ التعالي (كحين قالت على سبيل المثال: “أوصي المصريين باعتماد التنظيم، فالانضمام إلى حزبٍ سياسي أو تأسيسه يستغرق وقتاً طويلاً”). ولكن، استناداً إلى الوقائع، فإنها كان على دراية بشيءٍ ما. ثمة وقت للثورة. وثمة وقت لعملية أخذ وردّ السياسات التي تبدو أحياناً غير مرضية رغم أهميتها. وبهذا تصبح خطوط “الصفقة” العريضة أكثر وضوحاً. ففي حال قدّم مرسي تنازلات كبيرة – وعمل فعلياً على متابعتها – يمكن لقادة المعارضة أن يبادلوه بالسعي إلى المشاركة في العملية الانتخابية، الأمر الذي سيدعم شرعية النظام السياسي، رغم عيوبه. في حال قادت حركة “تمرّد” البلاد، حتى لو بشكلٍ غير مباشر، نحو نتائج مماثلة، سيحصل المصريون جميعاً على إرثٍ يستحق التأييد والتصفيق.
Commentary
Op-edهل تحتاج مصر فعلاً إلى ثورة ثانية؟
June 27, 2013