تشعر حكومة إيران بالسعادة نظراً لتوقعاتها أن حالة من الازدهار الاقتصادي سيأتي بها رفع العقوبات الدولية، لا سيما في قطاعات النفط والغاز السائدة في البلاد. ولكنَّ العقوبات ليست هي كل ما أعاق إيران وقيد حركتها في الماضي.
لقد تولت السلطة ثلاث حكوماتٍ براغماتية أو إصلاحية منذ الثورة، برئاسة كلٍ من الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، ومحمد خاتمي (1997-2005)، وحسن روحاني (منذ 2013). وكل واحدة من الحكومات بدأت عهدها بإصلاحاتٍ اقتصادية واعدة وتحسيناتٍ في العلاقات الخارجية، ولكنَّ رفسنجاني وخاتمي فشلا في نهاية المطاف، وجاءت هزيمتهما من قبل معارضةٍ راسخة داخل النظام. أما روحاني فيمكن بسهولة أن يشاركهما المصير الذي انتهيا إليه.
إن النجاح سوف يتوقف على قدرة روحاني على إحداث نمو في قطاعي النفط والغاز، اللذين يمثلان 22 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و27 بالمائة من ميزانية 2015-2016 (وهي أرقام ستزيد إذا ما تم استئناف صادرات النفط على نطاقٍ واسع). وحتى قبل أن يثير اتفاق يوم الثلاثاء بشأن برنامج إيران النووي فرحة عارمة في شوارع طهران، كان وزير النفط بيجان نامدار زنكنه مشغولاً بوضع الترتيبات الأساسية.
لقد شرع زنكنه في استعادة المهنية المفقودة في أساليب التعامل الإدارية في قطاع الطاقة، فقد أدرك أن ما أُطلق عليه عقود “إعادة الشراء” التي أدخلت أول مرة في عهد رفسنجاني واستمرت في عهد خاتمي كانت بمثابة كارثة. فهي كانت تستغرق وقتاً طويلا في التفاوض، وتفرض الكثير من المخاطر على المقاولين الأجانب دون مكافآت تعويضية، ولم تعطهم أي حافزٍ لتعظيم الانتاج أو الاحتياطيات.
إن المشكلة الأكبر التي تواجه توسيع قطاع الطاقة في إيران هي حالة التردد في اتخاذ القرار والاقتتال الداخلي الإيراني. ففي فترة رئاسة خاتمي الثانية، تضافرت ضده القوى المحافظة. وكان إنتاج النفط والغاز قد توسع بشكلٍ ملحوظ بموجب اتفاقات أبرمت مع كلٍ من شركة توتال وشل وستات أويل وبتروناس وغيرها، ولكن المراجعات البرلمانية للعقود حينذاك والاتهامات بالفساد أدت إلى توقف عملية التعاقد. وفي عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، سلف روحاني المتشدد، تفاقمت حالات الفساد. وتمكن الحرس الثوري، والمعروف أيضاً باسم “سپاه پاسداران” ، مدَّ قبضته الخانقة إلى صناعات النفط والغاز.
إن هذا التاريخ ذو أهمية كبيرة يالنسبة لروحاني وفريقه، لأن لديهم نافذة محدودة متاحة لإظهار حالات التحسن في الاقتصاد. فهم سوف يحتاجون بسرعةٍ إلى جذب الاستثمار الأجنبي والتقنية إلى قطاع الطاقة. وهذا الأمر يتطلب العمل في ثلاثة مجالات.
أولاً، يحتاج زنكنه إلى التخلص بحذر من النفوذ المستمر للحرس الثوري من وزارته ومن الشركة الوطنية الإيرانية للنفط. فالشركات الأجنبية لن تستثمر في مشاريع وهي تعلم أنها سينتهي بها الأمر لتكون برفقة الحرس الثوري.
ثانياً، يتعين على الحكومة الإيرانية أن تقدم نظاماً مالياً جاذباً للاستثمار في قطاع النفط. فالمسؤولون قد وضعوا بالفعل صيغة مسودة جديدة لـ “عقد البترول الإيراني” تتضمن إدخال تحسنٍ كبير على عقود إعادة الشراء، وكذلك على العقود التي تُمنح للمستثمرين في العراق. ولكن العقود الجيدة وحدها لا تكفي. وإذا ما مُنحت المشاريع عن طريق التفاوض، فتلك العملية تحتاج شهوراً وليس سنوات، كما كان الحال في الماضي. أما إذا مُنحت بموجب مناقصةٍ تنافسية، فيلزم أن تكون المزادات شفافة، وتجذب مقدمي عروض عديدين، وتتفادى التسبب بـ “لعنة الفائز”، حيث يتعين على الشركة (الفائزة) أن توفر شروطاً مجحفة جداً للحصول على المشروع مما يجعله عديم الجدوى اقتصادياً.
ثالثاً، وربما الأهم، يحتاج قطاع الطاقة إلى وجود استراتيجية واضحة. وقد تم الإعلان عن بعض الأهداف الطموحة، مثل الوصول إلى 5,7 مليون برميل يومياً من انتاج النفط الخام في غضون أربع سنوات (من 3,6 مليون برميل في العام 2011، وهي سنة الإنتاج الكامل التي سبقت تطبيق العقوبات الصارمة). وستكون هناك حاجة إلى خطةٍ أكثر شمولاً وتفصيلاً.
إن وجود استراتيجية أكثر أهمية بالنسبة للغاز منها للنفط. ففي عهد خاتمي، تذبذبت إيران بين إعطاء الأولوية لإنتاج الغاز للاستخدام في الصادرات والصناعة المحلية وتوليد الكهرباء، أو في الحقن في آبار النفط لتحسين الاستخراج. وعلاوة على ذلك، تواجه إيران الآن مشهداً دولياً غير واعدٍ. فالغاز الطبيعي المسال – الطريقة الوحيدة كي تتمكن إيران من الوصول إلى شرق آسيا – سيكون في حالة وفرة إمدادات فائضة حتى وقتٍ مبكر من عشرينيات القرن الحالي على الأقل. والسوق الأوروبية راكدة، علماً بأن روسيا تحركت لقطع الطريق على إيران من خلال عقد صفقات مع تركيا وفي شمال أوروبا.
ورغم ذلك، سيكون بوسع إيران تصدير الغاز إلى العراق وباكستان وسلطنة عمان في المستقبل القريب نسبياً. وإذا ما أمكن التغلب على الشكوك السياسية، فيمكن أن تصبح إيران مورداً إقليمياً رئيسياً إلى الهند، وكذلك إلى الدول الخليجية المجاورة مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة. وكل هذا النشاط، على أية حال، سوف يتطلب إجراء تخطيط في الوقت المناسب ووضع بنية تحتية جديدة للعبور. إن الاستثمار الدولي يمكن له أن ينشئ قاعدة شعبية في إيران تستفيد من الانفتاح والتجارة، مما يخلق حافزاً أكبر لديها للتخلي عن برنامج أسلحة نووية عندما تنتهي مدة الصفقة الحالية. ولكن الوقت قصير بالنسبة لروحاني لتحقيق النجاح. وفي هذا السياق، فإنَّ المعارضين في الخارج لن يكونون هم مشكلته الرئيسية، بل أولئك الموجودون داخل البلد.
Commentary
Op-edالعدو الرئيسي لإيران يكمن في داخلها
July 15, 2015