كان الهدف من القمة السنوية الثالثة والثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي والتي عُقدت في البحرين في الفترة من الرابع والعشرين إلى الخامس والعشرين من ديسمبر عام 2012، هو لتناول المشكلات الاقتصادية وكيفية تحقيق مزيد من التكامل. لكن البند الرئيسي في الأجندة وهو الأمن طغى بشكل كبير على هذه المشكلات.
وفي حين تمكنت القمة من التطرق إلى التعاون المصرفي وشبكة الربط الخليجي الموحدة للكهرباء والماء، تمركزت العناوين الرئيسية التي خرجت من قمة المنامة حول توجيه تحذير شديد لإيران وإنشاء قيادة عسكرية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي. وقد عبَّر المشاركون بما فيهم ولي العهد السعودي الأمير سلمان عن خيبة أملهم وإحباطهم من فشل القمة في تحقيق مزيد من التقدم بشأن التكامل بين دول مجلس التعاون والقضايا الأخرى ذات الصلة. لكن هذا ليس شيئًا جديدًا.
منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981، تحققت إنجازات المجلس إلى حد كبير بالرغم من تشعب الرؤى السياسية واختلافها، وكانت المشكلات الأمنية تطغى كثيرًا على غيرها من جوانب التعاون غير الأمنية التي يمكن أن تحقق مكاسب ملموسة للمواطنين الخليجيين.
في ظل الاضطرابات السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، يبدو جلياً أن على القيادة الخليجية الآن أن تركز بمزيد من الجدية على تلبية احتياجات المواطنين والمقيمين في المنطقة. لقد جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي على خلفية الاضطرابات والفوضى الإقليمية لا سيما إبان الحرب العراقية الإيرانية والتهديد الذي شكلته الثورة الإيرانية. ومنذ ذلك الحين والمجلس يعاني حالة من البحث عن هوية.
وظلت التطلعات للوصول إلى اتحاد اقتصادي بحلول نهاية فترة الثمانينيات تمضي قدمًا بخطىً مترددة في حين استمر الأمن الخليجي ليكون السمة الغالبة على مجلس التعاون الخليجي.
والواقع أن الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي تواجه مجموعة من التحديات الداخلية المشتركة إضافة إلى المخاطر الخارجية. فكل الدول الأعضاء تعاني من الاعتماد على الأنشطة المرتبطة بالمواد الهيدروكربونية وتضخم القطاع الحكومي والاعتماد على استيراد العمالة والمواد الغذائية الأساسية.
تتطلع جميع الدول الخليجية إلى تنويع اقتصاداتها والتشجيع على العمل في القطاع الخاص، وذلك استباقًا لنضوب الاحتياطات الإقليمية من الطاقة وللتكيف مع العدد المتزايد من سكانها — تخفي أرقام البطالة المنخفضة معدلات أعلى بكثير من المواطنين الخليجيين الشباب الذين لا يجدون عملًا، وإضافة المزيد من الوظائف إلى القطاع الحكومي المتضخم بالفعل ليس حلًا واقعيًا على المدى الطويل.
ويمكن أن يكون تعظيم التعاون بين دول الخليج وسيلة فعالة للإسهام في تلبية هذه الاحتياجات. فمن الممكن أن يقدم مجلس التعاون لدول الخليج العربية مزايا عملية للمواطنين والمقيمين في الخليج في مجالات المواصلات والتوظيف والاتصالات والتعليم والتدريب والأمن الغذائي والمائي.
في السنوات الأخيرة، تبين أن التكتلات الإقليمية يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي في هذه الجوانب. فمع القلة النسبية لعدد سكان المنطقة الذين يتحمل مجلس التعاون الخليجي مسؤوليتهم، فإن التفكير التقدمي والتدابير القائمة على التجديد والابتكار التي تعزز التعاون المشترك يمكن أن يكون لهما تأثير كبير للغاية.
معظم مواطني دول الخليج والمقيمين فيها لا يبحثون عن ثورات، ولا يريدون الإطاحة بأنظمتهم. لكنهم وعلى نحو متزايد يجدون حيزًا للتعبير عن آرائهم ومطالبهم لا سيما من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي. وفي حين أن البعض يمكن أن يقول إن الإصلاحات التي يشرف عليها مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تتعارض مع العقد الاجتماعي القائم على أساس الدولة الريعية وهو العقد السائد في المنطقة، يجب النظر إلى هذه الإصلاحات باعتبارها تحديثًا لهذا العقد.
وعلى المدى المتوسط والبعيد، يتمثل الطريق إلى استقرار الدول الملكية الخليجية في الاعتراف بمطالب شعوبها والعمل على تلبيتها. فعن طريق إظهار الدول الخليجية أنها أكثر إحساسًا واستجابة للاحتياجات المتغيرة لدى جماهيرها وأنها أقدر على تلبية هذه الاحتياجات بسبل شتى من بينها تعظيم التعاون الإقليمي، يمكن لهذه الدول أن تؤسس علاقة أكثر تقدمية بين الحكام والمحكومين. هذه خطوة مرحلية لكنها مهمة للغاية.
وإلى الآن لا تزال إنجازت مجلس التعاون لدول الخليج العربية محدودة. في عام 2012، استكملت دول الخليج المرحلة الأخيرة من شبكة الربط الخليجي الموحدة للكهرباء التي سوف تسمح لها بتلبية متطلبات الطاقة المحلية، كما تُبذل الجهود من أجل المزيد من التيسير للإجراءات الموجودة بالفعل لسفر مواطني مجلس التعاون بين الدول الأعضاء.
وقد وقفت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي معًا من أجل دعم مواقف مشتركة بشأن سوريا وليبيا — ليس بناءً على المصالح فحسب ولكن على أساس المبدأ ولو بدرجة ما — وقد ساهمت في ممارسة ضغط فعال داخل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
لكنه بالنسبة لقائمة من التدابير أطول بكثير من ذلك، لم يحقق مجلس التعاون الخليجي الكثير. وما يشهده مجلس التعاون من انقسامات إضافة إلى شرط عدم تمرير القرارات إلا بإجماع كافة الدول الأعضاء في المجلس كثيرًا ما تعوق تحقيق أهداف التكامل الاقتصادي العام مما يؤدي إلى ضياعها مرارًا وتكرارًا.
تم إطلاق اتحاد جمركي خليجي للمرة الأولى لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وذلك في عام 2003؛ وكان
الهدف من الاتحاد الجمركي هو فرض تعريفة دخول واحدة مشتركة على البضائع التي تدخل دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك رفع كافة التعريفات الجمركية عن البضائع التي تنتقل فيما بين دول مجلس التعاون. وقد تسببت المشكلات المتعلقة بالإيرادات والحمائية العامة في تأجيل تفعيل الاتحاد وجعله واقعًا، والآن حُدد له موعد زمني جديد لتفعيله في عام 2015.
في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عُقدت في الدوحة عام 2007، اعتزم المجلس تأسيس سوق
خليجية مشتركة من شأنها أن تزيد العوائق الإدارية والتنظيمية التي تقف حجر عثرة أمام التجارة الإقليمية. لكنه لم يُنفذ المشروع بشكل كامل إلى الآن، كما أن المكاسب المرتبطة بهذه السوق فيما يتعلق بقطاع الأعمال والعمل الحر لم تتحقق.
وقد تباطأت خطة تأسيس اتحاد نقدي خليجي. فقد انسحبت عُمان والإمارات العربية المتحدة من خطة تبني عملة مشتركة في عامي 2006 و2009 على الترتيب. وفي غضون ذلك، وجهت الكويت ضربة لسياسة ربط العملة المحلية بالدولار التي تنتهجها دول المنطقة عندما اضطرت تحت ضغوط التضخم أن تتحول من ربط دينارها الكويتي بالدولار إلى سلة عملات في عام 2007.
في عام 2009، وقع وزراء خارجية البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي، كخطوة تسبق تأسيس مصرف مركزي لدول مجلس التعاون. بيْد أنه منذ ذلك الحين لم يتحقق الكثير من التقدم.
وقد لاقت التغييرات التي من المفترض أنها عادية لكن من شأنها أن تحقق فارقًا كبيرًا بالنسبة للمواطنين والمقيمين في دول الخليج نفس المصير، فقد أُعلن عن مشروع للسكك الحديدية يربط بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في القمة الرابعة والعشرين لمجلس التعاون في عام 2003، لكن المشروع تأجل مرارًا.
فخطط السكك الحديدية الذي من المفترض أن يبدأ من ُعمان انتهاءً بالكويت ومن شأنه أن يقدم خيارًا جديدًا إضافيًا لحركة التنقل والتجارة في المنطقة، كان يُعتزم استكماله في الوقت المحدد لقمة البحرين التي عُقدت الأسبوع الماضي. وفي حين أن القرارات الأخيرة للمملكة العربية السعودية بالسماح للخطوط الجوية القطرية وطيران الخليج بالوصول إلى مجالها الجوي بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الحمائية وغياب التكامل الاقتصادي والسياسي قد أعاقا نوعية سياسات “السماوات المفتوحة” التي يمكن أن تؤدي إلى خفض تعريفات الطيران الخليجية.
لقد أظهرت الدراسات المعنية بسياسة التحرير الأوروبية أن زيادة التنافس أدت إلى خفض التعريفات الأوروبية بمقدار الثلث كما ضاعفت معدل النمو في السوق. وفي غضون ذلك، فإن الجهود الرامية إلى جعل تكلفة تجوال الهواتف النقالة تتوافق مع الأسواق الأكثر تقدمًا لم تبدأ في إظهار النتائج إلا من فترة قصيرة جدًا.
جانب كبير من النقاش داخل المنطقة تمحور حول تأسيس “اتحاد خليجي”. من المحتمل أن الاتحاد لن يستلزم تصفية أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون أو إلى رئاسة مشتركة أو علم واحد، بل إنه سيعمل باعتباره اتحادًا كونفدراليًا يضع سياسة مشتركة فيما يتعلق بالاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع.
وكانت المملكة العربية السعودية التي أعلنت خططًا للاتحاد في قمة عام 2011 التي انعقدت في الرياض مدافعًا قويًا عن الخطة شأنها شأن البحرين.
وينظر إلى هذا الاتحاد باعتباره وسيلة لإنهاء اعتماد الخليج على مورد سرعان ما سينضب وعلى مظلة أمنية غربية، لا سيما أن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الخليج فيما يتعلق بسد احتياجاتها من الطاقة يتراجع. لكن البعض في الخليج يقاومون هذا الهدف، خشية أن الاتحاد يمكن أن يؤدي إلى استحواذ المملكة العربية السعودية للدول الصغيرة المجاورة. كما أن هناك مخاوف من أن يؤسس الاتحاد على أساس مخاوف أمنية حالية لا على أساس دعم شعبي واسع وإصلاحات فعالة.
على المدى المتوسط، يمكن أن نرى مجلس التعاون الخليجي ذا طبقتين، والذي يتواجد فيه اتحاد على أساس ثنائي أو ثلاثي الجوانب، لكن تحقيق شيء أكثر أهمية سوف يتطلب تنازلات وتضحيات من كافة الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي.
لكن هذه المناقشات تبعد كثيرًا عن التجربة التي يعيشها شعب الخليج، فالقضايا التي ترتبط بمسألة إجماع دول مجلس التعاون الخليجي ليست نظرية فحسب؛ لكنها يجب أن تتمركز حول تحقيق مكاسب ملموسة لمواطني دول الخليج والمقيمين فيها. في الوقت الحالي معدلات النمو مرتفعة لكنها مدفوعة بأسواق الطاقة العالمية القوية.
ليس هناك من شيء يضمن أن تستمر إيرادات المواد الهيدروكربونية في إتاحة الفرصة أمام الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من الهروب من الواقع الاقتصادي، لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهناك بعض الدول التي تواجه عجزًا في ميزانيتها بالفعل أو على شفا مواجهتها. وبالنظر إلى المستقبل، تحتاج الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة التفكير في هياكل المجلس خصوصًا تأكيده على النزعة الحكومية الإقليمية ونظامه التعجيزي في صنع القرار الذي لا يمرر سوى بالإجماع.
يحتاج مجلس التعاون الخليجي إلى نموذج أكثر قابلية للحياة والتطبيق يخدم مصالح شعب الخليج. لكنه إذا كانت الدول الأعضاء في المجلس تستطيع التغلب على انقسامات الماضي والتنسيق فيما بينها بشأن التحسينات العملية التي يمكن إدخالها على مستوى الحياة في منطقة الخليج، فإن هذه الدول مجتمعة يمكنها أن تصبح قوة مؤثرة في عملية التنمية في المنطقة.
Commentary
Op-edأجندة شعبية لمجلس التعاون الخليجي
January 15, 2013